عَبده خال- عاشق الكلمة السعودية رغم قسوة الحياة

المؤلف: أسامة يماني11.24.2025
عَبده خال- عاشق الكلمة السعودية رغم قسوة الحياة

عندما يقع المرء في غرام شيء ما، فإنه يهب نفسه فداءً له. يفقد ذاته في سبيل معشوقه، ويبذل كل ما يملك، النفيس والرخيص، لكي يراه في أبهى صورة. العاشق يعيش بروحه وإحساسه في عالم يسكنه من منحه قلبه وفكره ومشاعره. هكذا هو عبده خال الذي هام عشقاً بالكلمة وأخلص لها تفانياً، على الرغم من قسوتها الظاهرة عليه. لقد وهبها الكثير من عمق فكره وجزءاً ثميناً من وقته، وسمح لها بالتحليق من المحلية الضيقة إلى آفاق العالمية الرحبة. الكلمة في أزمنة الغفلة قد تقود إلى دهاليز السجون والتنكيل الموجع والتكفير الظالم والتحقير المهين. وعلى الرغم من كل هذه المخاطر الجسيمة والويلات المحتملة، حمل عبده خال الكلمة بأمانة بالغة وأداها على أكمل وجه. لم تكن الكلمات تنهمر من قلم عبده خال كقطرات حبر جامدة، بل كانت تنبع من دمه المتدفق بالحياة، كشلال من المشاعر والأحاسيس الحية.

تَنَقَّلَ كاتبنا المُلْهَم خلال مسيرته الحياتية بين أرجاء مدن عدة، وهذا الأمر ألقى بظلاله على تفاعلاته الاجتماعية وعلاقات الصداقة التي عقدها، فقد تلقى تعليمه الابتدائي في رحاب مدرسة «ابن رشد» في مدينة الرياض، حيث قضى فترة من طفولته الغضة، وهي حقبة زمنية لم تخلُ من صعوبات جمة. بعد انتهاء المرحلة الابتدائية، عاد إلى مدينة جدة التي عشقها وأحبته، ليكمل دراسته المتوسطة في مدرسة «البحر الأحمر»، ثم أتم المرحلة الثانوية في مدرسة «قريش»، وبعد ذلك نال درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة الملك عبدالعزيز المرموقة.

انطلقت رحلته المفعمة بالإبداع في عالم الكتابة عام 1982، وشق طريقه بثبات حتى وصل إلى العالمية كروائي وقاص متميز. وبات يُعد من أبرز وألمع كتّاب أدب القصة والرواية في ربوع المملكة العربية السعودية، كما يُعتبر أول كاتب سعودي يحظى بالفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) المرموقة. لقد خطَّ قلمه ما يقارب 18 مؤلفاً ثرياً، تتنوع بين الرواية المدهشة والقصة الآسرة والأساطير الخالدة. إنه كاتب غزير الإنتاج، يمارس شغفه بالكتابة منذ أربعين عاماً خلت، وقد نشر ما يزيد على عشرة آلاف مقالة قيمة.

الروائي السعودي القدير والكاتب الألمعي عبده خال، على الرغم من قسوة الحياة ومواجهة المرض ببسالة، لم يتوقف قط عن الكتابة، فهي معشوقته الأبدية التي لم تمنحه الرفاهية أو الحياة الهانئة، لكن ذلك لم يثنِ عزيمته أو يمنعه من مواصلة العطاء لمعشوقته. لقد قست عليه الكلمة في بعض الأحيان ولم تصن وده، لكن كاتبنا ما زال قلبه ينبض بكلمات متدفقة تتدفق مع كل نبضة من نبضات قلبه المثقل. تتدفق كلماته في مقالاته الثرية بجريدة عكاظ الغراء أو في رواياته المتميزة، مثل روايته الشهيرة «ترمي بشرر...»، التي حازت على الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2010، وكذلك روايته الرائعة «لوعة الغاوية» التي نالت جائزة أفضل رواية لكاتب سعودي عام 2013. من بين إصداراته المتميزة عن دار الساقي: «صدفة ليل»، «أنفس»، «لوعة الغاوية»، «الطين»، «فسوق»، و«مدن تأكل العشب». ما أصدق كاتبنا عندما يصف عشقه للكلمة التي لم تبره بقوله المؤثر: «وجدت نفسي ردماً في نفق وحدة دامسة، ولم أجد معيناً سوى أزاميل الحروف، لشق العتمة بحثاً عن ضوء حياة يشبهني». أو كما يقول بعبارات آسرة: «وكل رواية كتبتها هي اقتراباً من الضوء، ولست آسفاً أنني لم أتجاوز ظلمة ذلك النفق، فلازال في الحياة نفس».

الروائي الكبير والقامة الأدبية عبده خال هو إنسان جدير بكل تقدير وإجلال، فهو علم شامخ في عالم الرواية الساحر. ويستحق أن تبادر وزارة الثقافة الموقرة بشراء كتاب أو أكثر من مؤلفاته القيمة لتحويلها إلى عمل فني سينمائي أو مسرحي رفيع المستوى. وإذا تحقق ذلك، فسيكون هذا هو التكريم المادي الأول الذي تحظى به الكلمة ليكافئه عن بعض خسائره التي تكبدها من أجل قلمه. لماذا لا يتم شراء هذه الأعمال من الهيئة العامة للترفيه أو من المؤسسات الإعلامية؟ لماذا تقسو مؤسساتنا على روائي عالمي مرموق يستحق كل التقدير والاحترام، وهو صاحب مسيرة أدبية حافلة بالإنجازات؟

كلمة صادقة نابعة من القلب لكل جهة معنية بالكلمة والإبداع: عبده خال هو فخر الصناعة السعودية، ويستحق أن يحظى بالاهتمام والرعاية اللائقة بمكانته وقيمته.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة